كتاب وآراء- يونس إجيري
مع وجود كتلة عربية وأجنبية لا يستهان بها في فنلندا ، تثار العديد من التساؤلات حول توجه العرب والمسلمين المقيمين في فنلندا او الذين يحملون الجنسية الفنلندية. فهل سيصوت “عرب ومسلمو فنلندا” لصالح بني جلدتهم أم لصالح من يستحق التصويت ؟
يوم السادس عشر من شهر يونيو المقبل سيتوجه الناخبون في جميع أنحاء فنلندا الى صناديق الاقتراع لانتخاب مجالس بلدية في كل قرية ومدينة في المقاطعة، هذه الانتخابات تجري مرة كل 4 سنوات.
وبما أننا نعيش في أجواء المعركة الانتخابية على صعيد البلديات لنتحدث الآن عن الشأن البلدي، السلطات البلدية تأخذ من أموالنا الضرائب البلدية لتقدم بالمقابل الخدمات التي من اختصاصها كتأمين الأمن وتعبيد الطرقات وجمع النفايات وإعطاء رخص البناء وغير ذلك من الخدمات، لذا علينا أن نختار المرشح الكفؤ الذي نشعر أنه الأجدر على تقديم هذه الخدمات، بالإضافة للأمور التي تهمنا كأي مواطن آخر.
أولا يجب أن تكون رؤيتنا واضحة وهي أن تكون مطالبنا حاضرة قبل الانتخابات لنعرضها على المرشحين ونناقشها معهم وننتخب من يلتزم بالاهتمام بمصالحنا كمواطنين ، علينا أن نقابل المرشحين وأن نطلب منهم أن يشرحوا لنا برنامجهم الانتخابي وأن نسألهم السؤال المحدد: ” ما هو بنظرك السبب الذي يجب أن يقنعني بالتصويت لك بدلا من التصويت لمنافسيك؟”
عندما نتصرف بهذه الطريقة المسؤولة سيحترمنا المرشحون قبل يوم الاقتراع وبعده، وسيحترمنا من يفوز في الانتخابات ومن لا يفوز، أما لم نسائل المرشحين ولم نمارس واجبنا الانتخابي سنبقى هامشيين لا يعيرنا المسؤولون اهتماما.
معايير الاختيار يجب أن تكون مبنية على أساس البرنامج الانتخابي ومدى تفهم المرشح لاهتماماتنا ومدى التزامه بقضايانا لا على أساس أن هذا المرشح لبناني أو عربي أو مسلم أو غير ذلك من الانتماءات، من الطبيعي أن يتصور أحدنا أن المرشح العربي والمسلم يتفهم قضايانا أكثر من غيره ولكن كلنا يعلم أن هذا ليس أمرا حتميا، كلنا يعرف أنه في السنوات القليلة الماضية كان هنالك من السياسيين في الدول الأوربية من كان يحمل اسما عربيا وحارب قضايا العرب والمسلمين بشراسة تفوق شراسة أعداء السكان الأصليين.
.
إعطاء المواطن حرية الاختيار يعتبر حسنة من حسنات الديموقراطية، فلنمارس حقنا في الاختيار بحكمة ومسؤولية.
هنالك من يقول أنه يجب التصويت فقط للمرشح اللبناني أو العربي أو المسلم، إذا أردنا أن نُقَيِّم هذا الكلام حق تقييمه لننظر الى وقعه لو صدر عن شخص غير سوري أو عربي أو مسلم، فماذا لو قال مواطن ذو أصول فنلندية أنه يجب التصويت فقط للمرشح الفنلندي ماذا سيكون موقفنا؟
طبعا سنحتج ونتهم هذا الشخص بالعنصرية وإلغاء الآخر وما إلى ذلك من العبارات التي أعتدنا عليها، لقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام:” لا يُؤْمِن أحدكم حتى يأمن جاره بوائقه”, إذن لنضع أنفسنا مكان الآخرين ولنحب لجيراننا ما نحب لأنفسنا، والرسول عليه الصلاة والسلام عندما هاجر من مكة الى المدينة اختار عبد الله بن أريقط ليكون دليلاً له في الطريق وكان عبد الله بن أريقط لا يزال على الشرك.
لقد اختاره مع أنه مشرك لكفاءته ومعرفته وهكذا قدّم عليه الصلاة والسلام الكفاءة والمعرفة على النسب او الولاء لأنه كان حريصا على نجاح مهمته وسلامته في هجرته، ونحن أيضاً كمواطنين علينا أن نقدم الكفاءة على غيرها، هل يُمكن أن نقنع أحدا بالسفر على متن طائرة يقودها ابن عّم له اذا كان يعرف أن ابن عمه هذا لا يحسن قيادة الطائرة؟ بالتأكيد لا وهذا أمرٌ صحي وطبيعي.
إذا كان الهدف المصلحة العامة فلا داعي للعداء الشخصي ولا أنَّ تحول المعركة الانتخابية الى مهاترات وعداءات شخصية.
وقَيَّم الناخبون برنامج الاحزاب واختاروا الأشخاص الكفؤ لقيادة البلاد، فهنا المعيار ببرنامج الحزب والتزام المرشح لصالح قضايا المواطنين العرب والأجانب ، إنّ إعطاء المواطن حرية الاختيار يعتبر حسنة من حسنات الديموقراطية، فلنمارس حقنا في الاختيار بحكمة ومسؤولية ولنفرض على كل مرشح أن يعرض علينا برنامجه الانتخابي ومدى استعداده لتبني قضايانا العادلة في حال فوزه ووصوله الى المجلس البلدي، وعلى هذا الأساس نقرر لمن سنعطي أصواتنا في الانتخابات.
إنني متأكد أن بين المرشحين العرب والأجانب للانتخابات البلدية القادمة ، الكثيرون من أصحاب الأمانة والكفاءة والحريصون على مصلحة بلدهم ومجتمعهم ومستعدون لخدمة مواطنيهم كائناً ما كان أصولهم العرقية أو انتماءاتهم الدينية، هؤلاء المرشحون، الذين لا شك أنهم يتفهمون قضايانا أكثر من غيرهم، يجب تشجيعهم ودعمهم ولكن عليهم أولا أن يشرحوا لنا برامجهم الانتخابية وأن يلتزموا بقضايانا، يجب أن نقول لهؤلاء المرشحين ” لا يأتينا الناس بأعمالهم وتأتونا بأنسابكم”.
واخيراً هنالك كلمة لا بد منها، لا يجوز أن يتحول الصراع السياسي الى عداء شخصي، المرشح مبدئيا يعرض خدماته عَلى الناخب ويطلب من هذا الناخب أن يعطيه ثقته في صندوق الاقتراع، وعلى هذا الناخب ان يختار في جو صحي وديموقراطي لمن يعطي هذه الثقة، والمرشح الذي لم ينل ثقة الناخب في هذه الدورة الانتخابية قد ينالها في الدورة القادمة إذا ثابر على العمل والاهتمام بمصلحة الوطن والمواطن، هذا هو مبدأ الديموقراطية وتداول السلطة.
إذا كان الهدف المصلحة العامة فلا داعي للعداء الشخصي ولا أنَّ تحول المعركة الانتخابية الى مهاترات وعداءات شخصية، فهذا السلوك دليل واضح على أننا لم نرتق بعد الى المستوى الذي يؤهلنا لبناء هذا المجتمع مع غيرنا من ابنائه ليكون مجتمعا آمنا متطوراً، ننعم في احضانه بالأمن والأمان والعزة والكرامة، علينا أن نثبت لأنفسنا ولغيرنا ولأبنائنا أيضاً أننا على مستوى المسؤولية وأننا سنمارس خيارنا الديموقراطي بطريقة حضارية لما فيه خير البلاد والعباد ومرضاة رب العباد.