فنلندا بالعربي من هلسنكي
الشعب الفنلندي من بين أكثر شعوب العالم سعادة حسب دراسة عدة معاهد دولية متخصصة في الأبحاث والدراسات. الأمر لا يبدو غريبا، نظرا للظروف التي يعيش فيها الشعب الفنلدني على جميع الأصعدة والمستويات، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا.
من الناحية الاجتماعية، تعتبر فنلندا من أفضل الأماكن في العالم لولادة النساء، بفضل الرعاية الصحية الفائقة التي توفرها مستشفياتها للنساء الحوامل، ولرضّعهنّ بعد الوضع، حيث تُولي السلطات الفنلندية عناية خاصّة جدا للنساء الحوامل، ورعاية مماثلة للأطفال الصغار؛ ففي هذه الدولة الاسكندنافية الباردة لا تتهاون السلطات أبدا في العمل على نشوء مواطنيها في صحّة جيدة منذ مرحلة الولادة.
الصحّة أوْلى الأولويات
هذا النظام المعتَمد في فنلندنا، يخوّل للسلطات أن تطلع على جميع المعلومات المتعلقة بمواطنيها، بنقرة زرّ فقط على الحاسوب، بما في ذلك الملف الصحّي للمواطنين، إذ أنّ المواطن بمجرّد أن يجلس إلى طبيب في مستشفى عمومي، يجد أنّ الطبيب على اطلاع تامّ بالملف الصحّي للمريض، والذي يتمّ تسجيل جميع المعلومات عنه في نظام إلكتروني.
فنلندنا، تَعتبر صحّة مواطنيها من أوْلى الأولويات، فمنذ السنة الأولى لولادة الطفل يتحتّم على والديْه أن يحملاه إلى المستشفى لإجراء فحص شامل على الفم والأسنان، ليس عن طيب خاطر، بل بشكل إجباري، ونفس الأمر بالنسبة للتلقيح؛ فما أن يصل موعده حتى تتمّ مراسلة أبوي الطفل من أجل إحضاره إلى المستشفى في حال ما إذا تهاونا أو قصّرا، وإذا لم يستجيبا تتمّ مهاتفتهما، إلى أن يستقدما طفلهما إلى المستشفى للتلقيح.
مستشفيات فنلدنا ، تشبه فنادق خمس نجوم، سواء في قاعات العلاج والتمريض، أو المرافق الصحية حيث تتوفر المستشفيات على حمامات نظيفة وجميع المرافق”، وأطباؤها وممرضوها يتعاملون بمنتهى “الدّلال” مع المرضى، خصوصا الأطفال، الذين تقام لهم أنشطة ترفيهية، حيث ترسَل إليهم “بهلوانات” من أجل تخفيف معاناتهم وإدخال البهجة عليهم.
دولة الحق والقانون
في فنلدنا يُعتبر رئيس الدولة والوزراء مثل جميع المواطنين،ّ ويستقلون الحافلات كأيها الناس، ويركبون الدراجات، ويتصرفون كما يتصرف الجميع، يسيرون في الشارع العامّ مثل جميع الناس، ويتسوقون من المتاجر.
كل هذا يجعل الجميع يحس ألا فرق بين مواطن وآخر، خصوصا وأنّ القانون، في حال ارتكاب أي مخالفة، يطبّق على الجميع بدون محاباة لطرف دون آخر، وبمنتهي العدْل. ففي ما يتعلق بقانون السير مثلا، لا تطبّق الشرطة غرامة مالية محدّدة على جميع المواطنين، بل تعتمد معيار “الاستحقاق”.
عندما يرتكب سائق سيارة مخالفة، تبحث الشرطة في دخْله السنوي، وعلى ضوئه تقرَّر الغرامة التي ستفرضها عليه، وطبعا لن تُطبَّق غرامة متساوية على من يصل دخله إلى 40 ألف أورو، وآخر لا يتعدّى دخله 10 آلاف أورو سنويا، وكلما كان الدّخل مرتفعا، ترتفع قيمة الغرامة، وكلما كان منخفضا تنخفض قيمة الغرامة؛ هذا الأمر يجعل المواطنين، يشعرون بالمساواة.
الشرطيّ أحَبّ الناس
تحظى الشرطة الفنلندية بحبّ كبير من طرف الشعب الفنلندي، وإذا كانت الصحافة في الدول الغربية تقيم كل سنة استطلاعات رأي لمعرفة أكثر الشخصيات التي يحبّها المواطنون، فإنّ الشخصية المحبوبة لدى الشعب الفنلدني، هي الشرطي.
علاقة المواطن الفنلندي بجهاز الشرطة تبدأ منذ الطفولة، حيث يتضمّن المقرر الدراسي للتعليم الابتدائي تدريس “مادّة الجريمة”، والتي يدرّسها للأطفال رجال شرطة بزيّهم الرسميّ داخل المدارس، من هنا تنشأ علاقة جيّدة بين المواطن الفنلندي وجهاز الشرطة، والأمن بشكل عامّ منذ الطفولة، ويتجذّر الوعي باجتناب الجريمة، التي تعتبر فنلندنا من بين الدول التي تقلّ فيها معدلات الجريمة بشكل كبير.
المساواة بين الجميع
كل هذه الخدمات التي توفرها الدولة لمواطنيها، يجعل مواطني فنلدنا يبادلون وطنهم حبّا، بمن في ذلك المهاجرين الأجانب، الذين لا يشعرون بأي فرق بينهم وبين المواطنين الأصليين، نظرا للمساواة التي يحظى بها الجميع.
فمن ناحية الحقوق، يبقى كل شخص لديه بطاقة إقامة مخوّلا للاستفادة من جميع الحقوق التي يستفيد منها المواطنون الأصليون، بما في ذلك مساعدات الدولة في حال عدم إيجاد العمل، أو العجز عن مزاولته، وكذا الرعاية الصحيّة وتوفير ضروريات الحياة، حيث تتفكل الدولة بأداء مصاريف البيت ودفع منح التغذية، والتي قد تصل في المجموع إلى 1000 أورو شهريا.
الشعب الفنلدني لا يحبّ الكسل، ثمّ إن الحكومة لا تترك المواطنين جالسين في بيوتهم دون فعل أي شيء. إذا كان المواطن عاطلا عن العمل يوفّرون له تكوينا، حتى يكون مؤهلا للاندماج في سوق الشغل، وحتى إذا رفض فكرة العمل بصفة نهائية، فإن الحكومة تنهج معه سياسة تخفيض التعويضات تدريجيا، إلى أن يجد نفسه مجبرا على العمل رغما عنه”.
أجور جيّدة وضرائب مرتفعة
فنلندنا من بين الدول التي ترتفع فيها نسبة الدّخل السنوي للأفراد، حيث تتراوح الأجور ما بين 08 أوروهات للساعة، و 17أورو، وقد تصل إلى 30 أورو، حسب الأٌقدمية، وبالموازاة مع ارتفاع الأجور، فإنّ الضرائب المطبّقة على الدخل ايضا تكون مرتفعة.
الرعاية التي يحظى بها المواطن الفنلندي، تجعل الإنسان يعيش في سعادة، ويزداد إخلاصا لبلده، حتى وإن كان مواطنا غير أصليّ ويحمل الجنسية أو أوراق الإقامة فقط.
الخدمات المقدمة من طرف فنلندنا لمواطنيها، تشمل كذلك السكن، فإنّ الحكومة الفنلندية توفّر لمواطنيها مساكن منخفضة التكلفة، حيث تتوفر البلديات على مشاريع عقارية، عبارة عن منازل، وتبيعها للمواطنين بأسعار أقلّ من الأسعار التي تطبّقها شركات العقار الخاصة.
أما عن علاقة المسؤولين بالمواطنين، فجميع المسؤولين، بمن في ذلك الوزراء، تتوفر أرقامهم الهاتفية للعموم، ويمكن لأي مواطن أن ينادي أيّ مسؤول في أي لحظة، دونما حاجة إلى وساطة أو موعد، ففي فنلندنا تبدو الأمور شفافة، لذلك لا داعي للوساطة ولا “للدفع المسبق” من أجل الحصول على خدمة ما، أو مقابلة مسؤول.