كتاب وآراء- يونس إجيري
نتحدث اليوم الى ملف الانتخابات البرلمانية في فنلندا ففيها ما يستوجب العودة ويغري بالاستفاضة، وطالما نحن على موعد مع الانتخابات بداية الشهر المقبل سنعود الى هذا الملف عدة مرات، هذه المرة نتوقف امام اكثر من امر، أولاً، امام «معركة الوعود الفضفاضة والشعارات البراقة» التى باتت رائجة هذه الايام والتى يطلقها بعض المرشحين دون حساب ، والتركيز هنا على ما يمكن ان نطلق عليه بالوعود المضحكة والمسلية التي يمتزج فيها ما يثير الدهشة والاستغراب كونها تكشف اولا ان بعض هؤلاء المرشحين لم يتخلصوا من تراكمات المنظومة القديمة التي حملوها معهم من بلدانهم من الوعود التي تقوم على خليط عجيب من السطحية والتشويش والترهات، يكفى القول ان بعض ما يطرح بعيد كل البعد عن ما يسمى بالبرامج الانتخابية، ومعظم مايطرح فيه امتهان لكرامة الناخبين العرب والأجانب حين يتعامل معهم بعض المرشحين وكأنهم سذجاً، على قاعدة «نقول ما نشاء، كيفما نشاء، وبأي اسلوب او طريقة نشاء، وعلى الأوتار الحساسة التى نشاء»، أليس ما نشهده اليوم من تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ووعود بعض المرشحين للانتخابات المقبلة لدليل ساطع على ذلك..!
واذا كان الفنلنديون بأغلبيتهم الساحقة على ما اظن – رغم ان بعض الظن اثم – لا يحملون ما يطرحه بعض المرشحين الاجانب للانتخابات على محمل الجد بل يسخرون من هذا الطرح مرّ السخرية لكون مايطرح سُمع وقُرأ مرارا ، كما ان ذلك يشعرنا اننا امام بعض المرشحين الأجانب لا يفقهون دور النائب، ولا حقيقة وصلاحيات العمل البرلماني ودور المؤسسة البرلمانية، واذا أمعنا في واقع ما يطرح ويثار ويصرح به من قبل بعض هؤلاء المرشحين نصل الى اسئلة، اين هى البرامج الحقيقية التي تعتبر محورية في كل انتخابات والتي يفترض ان تحاكي مصالح المواطنين وتطلعاتهم في السياسة والاقتصاد والتنمية والعمل والصحة والإندماج وكل شيء وكل ما يمكن ان يقنعنا بأن بعض هؤلاء يفهمون حقاً العمل البرلماني ومسؤولياته على اكمل وجه؟، ولماذا لا يفهم بعض المرشحون ان دور النائب ليس في محاربة العنصرية او تقديم خدمات يجب ان تقدمها الدولة الفنلندية وكل ما هو حقوق بديهية للمواطنين وينص عليها القانون الفنلندي والدولي، وإنما دوره في الرقابة والمساءلة وتطوير منظومة التشريع؟، اين الحوارات العقلانية، واين المناظرات التي نكتشف من خلالها قدرات وامكانيات كل مرشح وجديته وكفاءته وقدراته للوقوف على كيفية الوفاء بتعهداته الانتخابية؟، وهل سيكون وعي الناخبين من الجالية العربية والأجنبية حاضراً في الانتخابات المقبلة بما يجنبهم ان يكونوا اسرى الوعود المبالغ فيها او التى لاتتحقق او تلك التي ليست من الأصل والأساس من اختصاصات مجلس النواب..!
نتوقف ثانياً، امام هذا الاستسهال اللافت، او هذه الجرأة اللافتة من قبل البعض في الترشح للانتخابات الى درجة بتنا نشعر تجاه بعض اسماء المرشحين بالدهشة والصدمة في آن واحد، الدهشة من اسماء لم يعرف عنها يوماً ادنى نشاط سياسي او جمعوي او موقف او رأي او اهتمام بالشأن العام وليس لهم رصيد يذكر في الشارع، بل وجدنا اسماء اخذ اعلان ترشحها على محمل الهزل او التندر، اما الصدمة فهي من عزوف كثيرون من يفترض ان يكونوا في صدارة المرشحين من اصحاب الكفاءة والعلم والخبرات والمدركين لحقيقة الدور النيابي وامانة مسؤولياته تجاه فنلندا والمجتمع الفنلندي والعربي والذين يمكن ان ينهضوا بالعمل البرلماني إتجاه قضايا الأجانب.
لانريد ان نطعن في حسن نوايا اي ممن ترشحوا وقرروا دخول المعترك الانتخابي، احترامنا للجميع، ولكن لابد من الصراحة، وما امكن من الوضوح، لأن الحال البرلماني في مستوى لايحتمل مجاملة ولا مراوغة ولا تمويه، وهو ان الحراك الانتخابي على النحو الذى نشهده حتى الآن على الأقل في مواقع التواصل الاجتماعي لا يعطي دفعة الى التفاؤل، بل اننا امام بعض الأسماء، وبعض الشعارات، وبعض الممارسات التي بدأت تطل برأسها، وبعض ما يطرح في بعض مواقع التواصل الاجتماعى نشعر بأن هناك من يزدري بذكاء الناخب الذى يستشعر المرارة من محدودية الخيارات، او انعدام الخيارات المعقولة او المقبولة، ولا يجد امامه لا برامج ولا قضايا محددة، ولا طرح منطقي.
والمحيّر هو هذه الدرجة من الاستسهال والجرأة على الترشح كما لو ان كثير من المرشحين يتقدمون الى وظيفة حكومية شاغرة، تضمن له ما تضمن من راتب ومزايا وحوافز.
نتوقف ثالثا امام هذا العدد الذي قيل بأنه غير مسبوق في اعداد المرشحين، وعلينا ان نلاحظ ان تصريحات بعض المرشحين تكاد تتركز على قاسم مشترك ميزته عدم فهم صحيح لدور البرلمان واختصاصاته وصلاحياته، وهذا أمر يبعث على الأسف والأسى..!
اخيراً، نصل الى استنتاج صارم وهو ان الرهان على الناخب العربي والاجنبي ، هو الذي يفاضل ويختار ويحدد المسار، وارجو الا نكون مسرفين في التفاؤل على هذا الرهان، اتمنى ان تكون الرسالة قد وصلت..!