رمضان في فنلندا/ أرشيفية
فنلندا بالعربي- رشيد كروم ( و م ع)
يحل شهر رمضان الفضيل هذه السنة في ظل أجواء استثنائية عاشتها فنلندا للمرة الأولى وانعكست تقلباتها منذ أشهر على المجالات السياسية والاجتماعية والبيئية، قبل أن تلتحق البلاد بباقي دول العالم في مواجهة حدث غير مسبوق تمثل في تفشي وباء كورونا المستجد.
لم يكن سكان فنلندا، بمن فيهم الجاليات المسلمة، يتوقعون بطبيعة الحال قبل أشهر معدودة توقفا شبه تام للعديد من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية في البلاد جراء فيروس خفي استنفر سلطات البلاد لإعلان حالة الطوارئ التي تضمنت حزمة تدابير تقييدية سعت إلى الحد من تفشي الفيروس، رغم أنها لم ترقَ إلى فرض إغلاق تام للبلاد على غرار ما قامت به العديد من الدول التي فاجأها قدوم الضيف المستجد ثقيل الظل.
ولعل جائحة كورونا، بالنظر إلى طابعها الاستثنائي والفجائي، لم تكن سوى حلقة في سلسلة من الأحداث التي عاشتها فنلندا خلال السنة الجارية بدءا بتغير مناخي لم تعرف البلاد مثيلا له منذ أزيد من قرن عكسه دفء غير معهود خلال شتاء السنة الجارية وغيابا شبه تام للتساقطات المطرية والثلجية في البلاد المتاخمة للقطب الشمالي.
كما أن البلاد عرفت، على المستوى السياسي، خلال هذا العام تعاقب ثلاث حكومات، تزامنا مع ترؤسها للدورة السابقة للاتحاد الأوروبي، توجت بتولي صانا مارين رئاسة الوزراء، الشابة البالغة من العمر 34 سنة، مهامها كأصغر رئيسة وزراء في العالم، على رأس حكومة “النساء الخمسة” التي أسدلت الستار على سنة من التحديات والتقلبات السياسية التي شهدتها فنلندا.
غير أن التحاق البلاد بالدول التي طالتها جائحة كورونا مطلع السنة الجارية شكل الحدث الأبرز الذي طوى سجل الأحداث السابقة، وامتدت آثاره لتطال جميع أوجه الحياة للمقيمين في البلاد، بمن فيهم الجاليات المسلمة التي تستقبل الآن شهر رمضان الأبرك في ظل أجواء غير مسبوقة.
ومع إعلان تمديد حالة الطوارئ بما تتضمن من تقييد للتجمعات التي تتجاوز 10 أشخاص، فذلك يعني عمليا تمديد إغلاق المساجد في البلاد وتعليق الشعائر الجماعية من صلوات الفريضة وصلاة التراويح والإفطارات الجماعية، التي كانت تقام بانتظام طيلة السنوات الماضية.
وفي هذا الصدد أوضح الدكتور أنس الحجار، إمام الرابطة الإسلامية في فنلندا، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أنه “في ظل منع التجمعات لأكثر من عشرة أشخاص فالمساجد مغلقة بغالبها ولا تقام الصلاة إلا في بعضها بعدد قليل لا يتجاوز السبعة أشخاص؛ والحظر المستمر يجعل كذلك صلاة الجُمَع متوقفة”.
وقال السيد الحجار، الذي يشغل أيضا منصب رئيس المجلس الإسلامي الفنلندي، إن “التراويح متوقفة في المساجد لنفس السبب، وكذلك الأمر بالنسبة للإفطار الجماعي والدعوات للافطار”، مشيرا إلى أن “إقامة الشعائر مع الأسرة هي الجو الغالب لهذا العام؛ وقد يصل الأمر لصلاة العيد إن استمر الحظر”.
وتابع أن “توجيهات صدرت بهذا الخصوص إلى المساجد في العاصمة بضرورة اتباع توجيهات المسؤولين عن الصحة العامة”.
من جهته، اعتبر الإعلامي يونس إجيري أن “مغاربة فنلندا دأبوا على استقبال شهر رمضان المبارك بسعادة وفرح كبيرين رغم الظروف القاسية خصوصا في شمال فنلندا حيث تمتد فترات الصيام إلى 21 ساعة في اليوم تقريبا، مع ما يقتضيه ذلك من الاستيقاظ المبكر للعمل، خصوصا عمال قطاع النقل والبناء”.
وتابع السيد إجيري، المقيم بفنلندا منذ أزيد من عقدين، أن “شهر رمضان لهذا العام مع ذلك مغاير لما ألفه المسلمون خلال السنوات والعقود الماضية في فنلندا جراء الأزمة التي تعيشها الدولة الشمالية ودول العالم بسبب فيروس كورونا، حيث تفتقد الجالية المغربية والجاليات المسلمة الأجواء الروحانية والاجتماعية المعتادة من صلاة التراويح والزيارات العائلية”.
وأضاف أنه على الرغم من أن الشعائر خلال هذا الشهر الفضيل تقتصر على التعبد الفردي مع الأسرة الصغيرة داخل البيت، إلا أن مغاربة فنلندا حريصون على استقبال الشهر الفضيل بما يليق به من روحانية من خلال خلق أجواء رمضانية داخل بيوتهم لتكريس رمزيته ومكانته المتميزة خصوصا لدى الأطفال”.
ورغم مرارة استقبال شهر رمضان الأبرك في ظل الظروف الحالية التي تعيق تقاسم الفرح بقدوم الضيف الكريم مع الأقارب والأصدقاء في البيوت أو في رحاب المساجد، غير أن الجاليات المسلمة تستعين بما تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات لتخفيف وطأة الحصار المفروض من طرف الفيروس كوفيد-19، في انتظار انجلاء سحابة الجائحة وعودة الحياة إلى مسارها الطبيعي.